بقلم الدولة بيروكي
لم يكن ابن سلام الجمحي أول من اسس النقد التوثيقي فحسب وانما تتبع الشعر والتراث وأبدى ان يكون له موقع في قضايا ونصوص نقدية اهتمت منذ القدم اواخر القرن الثاني الهجري بالتراث العربي واشعار العرب القديمة التي اعترضتهم مشاكل في دقته وضبطه وماطرأ عليه من تصحيف اونحل او تحريف وقد عالج كتاب طبقات فحول الشعراء خلال القرن الرابع الهجري ومجموعة من الكتب التي برزت حركة نقدية كثيفة في هذا الميدان وخصوصا في الشعر الجاهلي وما ينسب الى الإسلام.
فالبدايات الاولى لبروز النقد التوثيقي لم تكن عاديا بفعل العصبيات القبلية والسياسية والمذهبية التي اعترت الدولة الإسلامية آنذاك، ولم يكن الشعر العربي القديم مدونا بفعل الروايات الشفوية التي استمرت طوال العصر الاسلامي والتي جعلته عرضة للانتحال والوضع والتغيير الذي قد أوصل الرواية او الرواة بتفعيل تدوينه.
لقد عرف ابن سلام الجمحي من اصحاب النقد التوثيقي الذي لم يجد يخلو ذكره وذكر كتابه طبقات فحول الشعراء كعلامة فارقة في التراث العربي القديم على عمل نقدي وأدبي يختص بمجال الشعر القديم .
اهتم كتابه الذي يعنى بالشعراء أنفسهم وقد تجاوزهم في تحدي الشعر وتتبع مقاييس تتأرجح وتحدد المفضلة بينهم .
قال ابن سلام الجمحي :”وفي الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لاخير فيه ولاحجة في عربية ولاأدب يستفاد ولامعنى يستخرج ولامثل يضرب ولامديح رائع ولاهجاء مقدع ولافخر معجب”فلم تكن الغاية من ذكر الشعر الا بمقاييس اعتمدها ابن سلام الجمحي وقد خالفه فيه كثير من أمثال طه حسين ومحمود شاكر وغيرهم من أبرز نقاد المحدثين لهذا الشعر.
أعرف أن الاسلوب الذي اتخده ابن سلام الجمحي كان مساعدا في عصر من العصور لان يكون ملائم هذا العصر فاذا انقضى هذا العصر وانقضى معهم ما ألف الناس من ضروب الحياة فيه وماتقتضيه الحالة الادبية والنقدية .
لقد وضح ابن سلام الجمحي في كتابه طبقات فحول الشعراء معايير جديدة لتكون مقياس يحتدى به في فهم الذوق الادبية للشعر بحذ ذاته.
فحدد ابن سلام الجمحي ضرب موضوع متحول: اما على وجه اليقين القطع او على وجه الترجيح الغالب، أو يكسبون في نفوس السامعين والقارئين شيئا من الثقة، وماوضعه هؤلاء القصاص على لسان آدام وغيره من الانبياء عليهم السلام، وعلى لسان بعض العرب البائدةوماوضعه بعض الرواة ليثبتوا به نسبا او يدلو به على بعض العرب قدمه وسابقه.
وضرب صحيح فلا سبيل له الى الشك وذلك هو الذي أجمع عليه العلماء والرواة على إثباته بعد ان تمارسوا هذا الشعر وفحصوه ومحصوه.
وضرب مختلف والذي قال عنه ابن سلام الجمحي:” قد اختلف العلماء في بعض الشعر كما اختلفوا في بعض الاشياء “وهو يعني بهذا الضرب الشعر ينسب لآخر او ينسب لأكثر من شاعر ، وهذا الشعر لم يخرج عن نطاق الجاهلية فجهاليته لاشك فيها ، ولكن اختلف الرواة والعلماء في واضع الشعر.
لقد عرف النقد التوثيقي معياريين جاء في طبقات فحول الشعراء المعيار الأول ان يكون بدويا متمكنا بعيد كل البعد عن الحضارة والمعيار الثاني ان يكون ذو قيمة تاريخية واخلاقية تحكم من خلال هذا الشعر ، وابن سلام الجمحي لم يكن إلا بدويا متمكنا عارفا بأساطير العرب وبقصصهم ، فالشعر عنده له ثقافة وصنعة يعلمها أهل العلم حالها حال سائر أصناف العلم والصناعات التي يمكن أن تتواجد في عصرنا الحالي .