أوَّلُ شهرٍ صامه الرَّسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون كان يوم الأحد ، وقيل يوم الإثنين الأوَّل من رمضان في العام الثَّاني من الهجرة النَّبويَّة .
وقد صام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات ، كلها في المدينة المنورة ، منها سبع رمضانات صامها تسع وعشرون يومًا ، ورمضانان صامهما ثلاثون يومًا . والله أعلم
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( ما صمنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين ) حديث حسن صحيح ، أخرجه ابن ماجه والطبراني وأبو نعيم
وصومُ رمضانَ واجبٌ وفرضٌ على كل مسلم ومسلمة ، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة ، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بُنِيَ الإسلام على خمس : شَهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم
وما يدلُّ على وجوبه قولهِ تعالى : ( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ
(١٨٣) البقرة
وقوله تعالى : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ
(١٨٥) البقرة
ويجبُ الصومُ متى ثبت دخول شهر رمضان ، ويثبت دخوله إما : برؤية هلالهِ ، أو بإكمال شعبان ثلاثين يومًا .
وقد فضَّله الله سبحانه وتعالى على جميعِ أشهر السنة ، حيث ذكر اسمه صريحًا في القرآن الكريم ، قال الله تعالى : ( شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ (١٨٥) سورة البقرة
وزاده الله سبحانه وتعالى شرفًا ومكانةً بنزول القرآن الكريم وليلة القدر ، التي هي أفضلُ وخيرٌ من ألف شهر ، وألف شهر يعادل ثلاثًا وثمانين سنةً وأربعة أشهر ، قال الله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر (١) وما أدراك ما ليلة القدر (٢) ليلة القدر خير من ألف شهر (٣) سورة القدر
وكلُّ الأعمالِ في الدنيا يبصرها أو يلاحظها ، أو قد يسمع عنها البشر ، أو قد يُعرف ثوابها إلَّا الصوم ، فإنه لا يدركه أحد غير الله ، ولا يُعرف مقدار ثوابه إلا الله ، ولم يوكله سبحانه وتعالى إلى ملائكته ، بل تولى جزاءه سبحانه وتعالى بنفسه .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عزَّ وجلَّ : ( كلُّ عمل ابن آدم له إِلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به … ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما
فاطمئن وافرح أيها الصائم ، واطمع في كرمه وجزيل ثوابه ، فما تكفَّلَ الله بشيء إلا كان جزاءه الثواب العظيم ، فتاجر في شهر الخيرات والبركات ، فالتجارة فيه مضمونة الربح ، ليس ربحًا قليلًا أو متوسطًا ، بل مضاعفٌ أضعافًا كثيرة ، والضَّامن للربح هو ربُّ العالمين ، الذي له خزائن السماوات والأرض ، الذي يجازيك على أعمالك الحسنة بأضعافها ، ويزيدك من واسع كرمه وسعة رزقه بغير حدود أو نهاية ، قال الله تعالى : ( ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب (٣٨) سورة النور
فاحرص أخي المسلم على الأعمال التي تقربك من الله في هذا الشهر المبارك ، الذي سيمضي ولن يتكرر إلا في العام مرة واحدة ، وربما قد لا تدركه في العام القادم ، فاغتنم الفرص في جميع أيَّامه ، ولا تتكاسل أو تسوِّف ، أو تندفع في بداياته وتضعف في نهاياته ، كُنْ قوي الهمة ، ولا تتبع هوى النفس والشيطان فتكون من الخاسرين .
اللهم إنَّا نعوذ بك من العجز والكسل ، والبخل والهرم ، والقسوة والغفلة ، والذِّلة والمسكنة ، ونعوذ بك من الفقر والكفر ، والشرك والنفاق ، والسمعة والرياء ، ونعوذ بك من الصمم والبكم والجنون ، والبرص والجذام وسيِّئ الأسقام .
اللهم أهلَّ علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان ، والسّلامة والإسلام ، والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة ، وارزقنا فضل صيامه وقيامه ، وتلاوة القرآن فيه آناء الليل والنهار .
* المرجع :
– موقع الدرر السنية للموسوعة الحديثية والفقهية لمجموعة من الباحثين .
بقلم أ. مهدي جدُّه حكمي