أخبار محلية

في الثاني من رمضان – معركة شقحب

عدد المشاهدات 2784

معركة شَقْحَب وتسمى أيضًا بمرج الصُفر ، وهي معركة وقعت بين التتار المغول ، وبين الجيش المملوكي في خلافة الدولة العباسية ، وهي معركة أقل شهرة من المعارك التي سبقتها ،
وسبب قيامها هو ثأر التتار إثر هزيمتهم في معركة عين جالوت .

جمع التتار جيشًا كبيرًا ، ولما وصلوا إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك البلاد فسادًا ، فقتَّلوا الرجال وسبوا النساء ، ورغبوا في استكمال غزو بلاد الشام .

ولما علم أهل الشام بذلك أصابهم الهلع والخوف ، ففروا بما يستطيعون أخذه إلى مصر والكرك ، وكان وقتها الخليفة المستكفي بالله الثاني والسلطان محمد بن قلاوون مقيميْنِ في مصر .

ولما رأى ابن تيمية أن الوضع غير مطمئن ، سافر من دمشق إلى القاهرة ؛ لمقابلة السلطان محمد بن قلاوون وإقناعه بالخروج إلى الشام لإنقاذهم .

رجع شيخ الإسلام ابن تيمية من فوره إلى دمشق ، يتابع تشجيع الناس على الصبر للقاء العدو ، ومعاونتهم على حسن الاستعداد للقائه ، وإلهاب عواطفهم وإذكاء حماسهم ، وتهيئتهم لخوض المعركة الفاصلة .

وفي يوم السبت الثاني من رمضان ، سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة ، وصل السلطان محمد بن قلاوون إلى عقبة شجورا ، ففرح الناس وتوجه إليه الأمراء يستقبلونه .

وبينما هم كذلك ، وصلهم الخبر بأن جيش قطلوشاه في طريقه إليهم ، فاستعد الجنود بالسلاح والعتاد ، واتفق الأمراء على محاربتهم بسهل شقحب تحت جبل غباغب .

وقف السلطان ابن قلاوون في قلب الجيش ، الذي كان يضم عددًا كبيرًا ، وبجانبه الخليفة المستكفي بالله سليمان بن الحاكم ، والأمراء سلار وبيبرس وعز الدين أيبك وغيرهم من الأمراء ، وظل ابن قلاوون يحثهم ويشجعهم على قتال التتار الباغين .

وفي الميمنة ، وقف الحسام لاجين وعدة من الأمراء ، وعلى يمينهم الأمير قبجق بعساكر حماة والعربان .

وفي الميسرة ، وقف عساكر حلب ، وعلى رأسهم الأمير بكتاش الفخري والأمير قرا سنقر .

انطلق السلطان محمد والخليفة لا يفارقه ، ومعهما القراء يتلون القرآن يشجعون ويحثون على الجهاد .

اتجه قطلوشاه نحو جيش المسلمين بفرقة تضم الآلاف من المقاتلين ، واصطدم بالميمنة وجرى قتال عنيف ، قُتل فيه الحسام لاجين ، وكادت الميمنة أن تتراجع ، فصاح سلار : هلك والله أهل الإسلام ..

فقام أمراء القلب والميسرة بتعزيز الميمنة ، وصرخ سلار في بيبرس والبرجية فأتوه ، واصطدم بهم قطلوشاه ، وقاتل هو وبيبرس قتالًا مريرًا إلى أن تمكنا من دفع قطلوشاه .

ولما قُتل أمراء الميمنة ، تمكن بعض المغول من اجتياز خطها ، وصاروا خلف المسلمين ، فحسب البعض أن الجيش قد انهزم ، ففر الأطفال والنساء الذين خرجوا من دمشق عند خروج الأمراء منها ، وضجَّ الناس بالدعاء والابتهال إلى الله إلى أن توقف القتال .

وبعد ذلك ، مال قطلوشاه بمن معه إلى جبل قريب وصعد عليه ، وكان يظن أنه قد انتصر ، وأن قواته تطارد المسلمين الفارين ، ولكنه لما نظر من فوق الجبل رأى ميسرة السلطان الناصر ثابتة وأعلامها تخفق فتحيّر وبُهِت .

وباتت جنود الجيش الإسلامي على ظهور خيولها والطبول تضرب ، وظلَّ بيبرس وسلار وقبجق وكبار الأمراء يطوفون طوال الليل على الأمراء والجنود ، يرصونهم وينظمونهم ويؤكدون عليهم بضرورة الحذر واليقظة والتأهب .

نزل قطلوشاه بمشاته وفرسانه ، فبرزت له المماليك التي استقتلت في القتال ، وراحت ترمي الجنود المغول بالسهام وتقاتلهم ، إلى أن انسحب قطلوشاه إلى الجبل عند منتصف النهار .

ولمَّا علم المسلمون من بعض أسرى المغول أن قوات قطلوشاه تعانى من العطش ، راقبوهم حتى نزلوا ، وكان ذلك في فجر اليوم الثالث من المعركة ، فلما اتجهوا نحو النهر ، لم يتعرض لهم المسلمون حتى تجمعوا ، عندها قام المسلمون والجيش برميهم بالسهام حتى قضوا عليهم .

انتهت المعركة بانتصار ساحق للمماليك ، وقد أدى ذلك الانتصار العظيم إلى وأد آمال التتار ، التي كانت تطمح في السيطرة على الشام ، والتوسع في العالم الإسلامي .

* المراجع :
– البداية والنهاية لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير .
– بدائع الزهور في وقائع الدهور لمحمد ابن إياس الحنفى .
– الظاهر بيبرس ونهاية الحروب الصليبية القديمة لبسام العسلي .
– دراسات في تاريخ عصر سلاطين المماليك للدكتور علاء طه رزق .
– السلوك لمعرفة دول الملوك لتقي الدين المقريزي .
– عصر سلاطين المماليك للدكتور قاسم عبده قاسم .

بقلم أ. مهدي جدُّه حكمي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ماشاءالله تبارك الله ابا مالك مبدع دائما في كتاباتك التاريخية والادبية والثقافية والاجتماعية والأدبية. جميل جدا جدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com