في الثاني من رمضان – معركة شقحب
معركة شَقْحَب وتسمى أيضًا بمرج الصُفر ، وهي معركة وقعت بين التتار المغول ، وبين الجيش المملوكي في خلافة الدولة العباسية ، وهي معركة أقل شهرة من المعارك التي سبقتها ،
وسبب قيامها هو ثأر التتار إثر هزيمتهم في معركة عين جالوت .
جمع التتار جيشًا كبيرًا ، ولما وصلوا إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك البلاد فسادًا ، فقتَّلوا الرجال وسبوا النساء ، ورغبوا في استكمال غزو بلاد الشام .
ولما علم أهل الشام بذلك أصابهم الهلع والخوف ، ففروا بما يستطيعون أخذه إلى مصر والكرك ، وكان وقتها الخليفة المستكفي بالله الثاني والسلطان محمد بن قلاوون مقيميْنِ في مصر .
ولما رأى ابن تيمية أن الوضع غير مطمئن ، سافر من دمشق إلى القاهرة ؛ لمقابلة السلطان محمد بن قلاوون وإقناعه بالخروج إلى الشام لإنقاذهم .
رجع شيخ الإسلام ابن تيمية من فوره إلى دمشق ، يتابع تشجيع الناس على الصبر للقاء العدو ، ومعاونتهم على حسن الاستعداد للقائه ، وإلهاب عواطفهم وإذكاء حماسهم ، وتهيئتهم لخوض المعركة الفاصلة .
وفي يوم السبت الثاني من رمضان ، سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة ، وصل السلطان محمد بن قلاوون إلى عقبة شجورا ، ففرح الناس وتوجه إليه الأمراء يستقبلونه .
وبينما هم كذلك ، وصلهم الخبر بأن جيش قطلوشاه في طريقه إليهم ، فاستعد الجنود بالسلاح والعتاد ، واتفق الأمراء على محاربتهم بسهل شقحب تحت جبل غباغب .
وقف السلطان ابن قلاوون في قلب الجيش ، الذي كان يضم عددًا كبيرًا ، وبجانبه الخليفة المستكفي بالله سليمان بن الحاكم ، والأمراء سلار وبيبرس وعز الدين أيبك وغيرهم من الأمراء ، وظل ابن قلاوون يحثهم ويشجعهم على قتال التتار الباغين .
وفي الميمنة ، وقف الحسام لاجين وعدة من الأمراء ، وعلى يمينهم الأمير قبجق بعساكر حماة والعربان .
وفي الميسرة ، وقف عساكر حلب ، وعلى رأسهم الأمير بكتاش الفخري والأمير قرا سنقر .
انطلق السلطان محمد والخليفة لا يفارقه ، ومعهما القراء يتلون القرآن يشجعون ويحثون على الجهاد .
اتجه قطلوشاه نحو جيش المسلمين بفرقة تضم الآلاف من المقاتلين ، واصطدم بالميمنة وجرى قتال عنيف ، قُتل فيه الحسام لاجين ، وكادت الميمنة أن تتراجع ، فصاح سلار : هلك والله أهل الإسلام ..
فقام أمراء القلب والميسرة بتعزيز الميمنة ، وصرخ سلار في بيبرس والبرجية فأتوه ، واصطدم بهم قطلوشاه ، وقاتل هو وبيبرس قتالًا مريرًا إلى أن تمكنا من دفع قطلوشاه .
ولما قُتل أمراء الميمنة ، تمكن بعض المغول من اجتياز خطها ، وصاروا خلف المسلمين ، فحسب البعض أن الجيش قد انهزم ، ففر الأطفال والنساء الذين خرجوا من دمشق عند خروج الأمراء منها ، وضجَّ الناس بالدعاء والابتهال إلى الله إلى أن توقف القتال .
وبعد ذلك ، مال قطلوشاه بمن معه إلى جبل قريب وصعد عليه ، وكان يظن أنه قد انتصر ، وأن قواته تطارد المسلمين الفارين ، ولكنه لما نظر من فوق الجبل رأى ميسرة السلطان الناصر ثابتة وأعلامها تخفق فتحيّر وبُهِت .
وباتت جنود الجيش الإسلامي على ظهور خيولها والطبول تضرب ، وظلَّ بيبرس وسلار وقبجق وكبار الأمراء يطوفون طوال الليل على الأمراء والجنود ، يرصونهم وينظمونهم ويؤكدون عليهم بضرورة الحذر واليقظة والتأهب .
نزل قطلوشاه بمشاته وفرسانه ، فبرزت له المماليك التي استقتلت في القتال ، وراحت ترمي الجنود المغول بالسهام وتقاتلهم ، إلى أن انسحب قطلوشاه إلى الجبل عند منتصف النهار .
ولمَّا علم المسلمون من بعض أسرى المغول أن قوات قطلوشاه تعانى من العطش ، راقبوهم حتى نزلوا ، وكان ذلك في فجر اليوم الثالث من المعركة ، فلما اتجهوا نحو النهر ، لم يتعرض لهم المسلمون حتى تجمعوا ، عندها قام المسلمون والجيش برميهم بالسهام حتى قضوا عليهم .
انتهت المعركة بانتصار ساحق للمماليك ، وقد أدى ذلك الانتصار العظيم إلى وأد آمال التتار ، التي كانت تطمح في السيطرة على الشام ، والتوسع في العالم الإسلامي .
* المراجع :
– البداية والنهاية لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير .
– بدائع الزهور في وقائع الدهور لمحمد ابن إياس الحنفى .
– الظاهر بيبرس ونهاية الحروب الصليبية القديمة لبسام العسلي .
– دراسات في تاريخ عصر سلاطين المماليك للدكتور علاء طه رزق .
– السلوك لمعرفة دول الملوك لتقي الدين المقريزي .
– عصر سلاطين المماليك للدكتور قاسم عبده قاسم .
بقلم أ. مهدي جدُّه حكمي
ماشاءالله تبارك الله ابا مالك مبدع دائما في كتاباتك التاريخية والادبية والثقافية والاجتماعية والأدبية. جميل جدا جدا