حدث في الرابع من رمضان ” فتح أنطاكية “
أنطاكية مدينة تقع على الضفة اليسرى لنهر العاصي ، على بعد ثلاثين كيلومترًا من شاطئ البحر المتوسط ، في محافظة هتاي التركية .
كانت أنطاكية تابعة لسوريا وقت الاحتلال الفرنسي لها ، وبعد خروج الاحتلال حدث تقسيم ، فضمتها تركيا إليها .
أمارة أنطاكية هي أول أمارة كوَّنها الصليبيون في الشرق في زمن الحملة الصليبية الأولى .
وقد افتتح المسلمون أنطاكية في عهد الخليفة العباسي المكتفي بالله ، في عام مئتين وواحد وتسعين من الهجرة .
ولموقعها الاستراتيجي المهم ، حاول الصليبيون عدة مرات من استعادتها .
وفي شهر جمادى الأولى من عام ثلاثمائة وتسعة وخمسين من الهجرة استطاع الصليبيون الاستيلاء عليها ، فتمركزوا بها وشيدوا الحصون المنيعة ؛ لكي لا يستطيع أي معتدي من اقتحامها .
وحينما تقلَّد ركن الدين بيبرس مقاليد الحكم في عام ستمائة وثمانية وخمسين للهجرة ، كانت أولى اهتماماته هي الاستيلاء على أنطاكية ؛ لأنها كانت مركزًا مهمًا لدى الصليبيين .
وفي شهر جمادى الآخرة من عام ستمائة وستة وستين من الهجرة ، خرج ركن الدين بيبرس بجيشه العظيم من مصر متجهًا إلى فلسطين ، فنزل على يافا بغتة وأخذها عنوة ، ثم استولى على حصن الشقيف ، ثم اتجه إلى طرابلس والتي كانت تحت سيطرة الصليبيين آنذاك ، فقاتلهم حتى هزمهم .
وفي الرابع والعشرين من شهر شعبان ، من عام ستمائة وستة وستين من الهجرة ، خرج ركن الدين بيبرس من طرابلس متجهًا إلى أنطاكية دون أن يخبر أحدًا من قادته ، فلما وصل إلى حماة قسَّم جيشه إلى أثلاث ؛ حتى لا يتمكن الصليببون من معرفة وجهته .
اتجهت الفرقة الأولى إلى ميناء السويدية التابع لأنطاكية ؛ لكي يقطع على الصليبيين الوصول إلى البحر .
وتوجهت الفرقة الثانية إلى الشمال ؛ لسد الممرات بين قلقيلية والشام ؛ وذلك لمنع وصول أي إمدادات من أرمينية الصغرى .
أما الفرقة الثالثة فكانت بقيادته ، صوَّب بيبرس اتجاهه المباشر إلى أنطاكية ، وأحاط بها من جميع اتجاهاتها وحاصرها حصارًا شديدًا .
وفي الأول من رمضان حاول بيبرس أن يفتح أنطاكية سلمًا ، لكن الصليبيين رفضوا ، فشن بيبرس هجومه الضاري عليهم ، وتمكن الجيش من فتح ثغرة في السور ، فتدفقت قوات بيبرس إلى أنطاكية ، وحدثت معركة قوية حامية الوطيس ، وفرت حاميتها إلى القلعة ، وطلبوا من بيبرس الأمان فأمَّنهم ولم يمسهم بسوء ، وكان ذلك في اليوم الرابع من رمضان .
واستلم الجيش القلعة في الخامس من رمضان وأسروا من فيها ، وغنم المسلمون غنائم كثيرة ، بلغ من كثرتها أن قسمت النقود بالطاسات ، وبلغ من كثرة الأسرى أنه لم يبق رجل إلا وله عبد وجارية .
وبهذا الفتح توالت الفتوحات الإسلامية ، فسقطت الأمارات الصليبية الواحدة تلو الأخرى ، وتبوأ الملك الظاهر ركن الدين بيبرس مكانته التاريخية التي يستحقها ، فهو يعد أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط .
* المراجع :
– السلوك لمعرفة دول الملوك لتقي الدين المقريزي .
– تأريخ الوطن العربي والغزو الصليبي للدكتور خاشع المعاضيدي .
– المختصر في أخبار البشر للملك إسماعيل بن علي بن محمود شاهنشاه .
– نيابة طرابلس الشام فى عصر سلاطين المماليك للدكتور شريف عبد الحميد محمد عبد الهادي .
بقلم أ. مهدي جدُّه حكمي