بيان ما جاء في ليلة القدر والعشر
في العشرِ الأواخرِ مِنْ رمضانَ يُعرفُ الصادقون ، يُعرفُ المخلصون ، يُعرفُ المفلحون ، يُعرفُ الفائزون ، ومِنْ أجلِ ليلةِ القدرِ فليعملِ العاملون ، وليجتهدِ المجتهدون ، وليطمعِ الطامعون .
لا يَصِلُ إليها والظفرِ بها ؛ إلَّا مَنْ كانت نيّتُه مبيتةٌ لها ، لا يَصِلُ إليها إلّا مَنْ كانت هِمَّتُه وعزيمتُه أن ينالَ منها ، لا يصل إليها ؛ إلَّا مَن أرادَ اللهُ له السعادةَ والفوزَ في الدنيا والآخرة .
يا لَهٌ مِن فوزٍ عظيم ، ويا لها مِن نعمةٍ كُبرى ؛ أنْ تأتيَ العشرُ وأنت مُتلهِّفٌ إليها ؛ لتضاعفَ حسناتك بما يُعادلُ عمرُ إنسان عاش ثلاثةً وثمانين سنةً مُسخِّرًا كُلَّ حياتهِ في طاعةِ اللهِ ، ولم يعصِه ولو للحظةٍ واحدة .
هل يستطيعُ أحدٌ مِنَ البشرِ ، أن يسخِّر جميعَ أيامه مجاهدًا في سبيلِ الله ؟
هل يستطيعُ أحدٌ مِنَ البشرِ ، أن يسخِّر كُلَّ وقتِه في خدمةِ والديه والبرِّ بهما ؟
هل يستطيعُ أحدٌ مِنَ البشرِ ، أن يسخِّر كل أيام حياتهِ في الصلاةِ ، والصيامِ ، والقيامِ ، وقراءةِ القرآن ؟
هل يستطيعُ أحدٌ مِنَ البشرِ ، أن يسخِّر كل أيام حياتهِ في فعلِ الطاعات التي ترضي الله سبحانه وتعالى ، ولا يعملُ سيئةً قط ؟
هذا العملُ الذي يصعبُ على كُلِّ مؤمنٍ ، يتحققُ في ليلةٍ واحدةٍ ! إنها ليلةُ القدرِ التي قالَ اللهُ فيها : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) سورة القدر .
فليلةُ القدرِ خيرٌ وأفضلُ من ثلاثٍ وثمانين سنةٍ وأربعةِ أشهرٍ ، يقضيها المؤمنُ في عبادةٍ مَحضةٍ .
إذًا فليلةٌ القدرِ ليلةٌ عظيمةٌ ، ليلةٌ مباركةٌ ، ليلةٌ ليس لها مثيلٌ أو نظير ، ليلةٌ تفوَّقت ، وخرقت ، وتخطَّت ، وتجاوزت كُلَّ المقاييس بأشكالها وأنواعها .
كانَ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلم أكثرَ اجتهادًا في هذه العشرِ ، فعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت : ( كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وأَحْيَا لَيْلَهُ ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ ) . صحيح البخاري
وقد حثَّ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم على قيامِ ليلةِ القدرِ إيمانًا واحتسابًا ، فعن أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنهُ قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم : ( مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا ، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما
* ما يُشرعُ في العشرِ الأواخرِ .
يُشرعُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ التقرُّبُ إلى اللهِ سبحانه وتعالى بالدعاءِ ؛ لأنَّ الدعاءَ من أفضلِ العباداتِ وأجلِّها ، وفيه استشعارٌ بقربِ اللهِ سبحانه وتعالى ، وفتحٌ للأبوابِ المُغلقة ؛ لأن الدعاءَ من الأسبابِ التي تصرفُ عَنِ المسلمِ البلاءَ ، فعن سلمانَ الفارسي رضي اللهُ عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم : ( لَا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ ) . صحيح الترمذي
وأفضلُ الدعاءُ في ليلةِ القدر ما روته عائشةُ رضيَ اللهُ عنها قالت : قلتُ : يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةِ القدرِ ما أقولُ فيها ؟ قال : قولي : ( اللهمَّ إنك عفوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي ) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد .
ويُشرعُ في ليالي العشرِ الاعتكافُ ؛ التماسًا للثوابِ العظيم الذي قد يصادفُ ليلة القدر ، وتأسيًا بنبينا المطهر صلى اللهُ عليهِ وسلم ، فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي اللهُ عنه ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال : ( مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي ، فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأوَاخِرَ ، وقدْ أُرِيتُ هذِه اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا ، وقدْ رَأَيْتُنِي أسْجُدُ في مَاءٍ وطِينٍ مِن صَبِيحَتِهَا ، فَالْتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ ، والتَمِسُوهَا في كُلِّ وِتْرٍ ) . صحيح البخاري
* بداية الاعتكاف ونهايته ومدته .
اختلف أهلُ العِلمِ في بداية الاعتكافِ في العَشرِ الأواخر من رمضان ، على قولين :
القول الأول : يبدأُ قبل غروبِ شَمسِ ليلةِ إحدى وعشرين ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة .
القول الثاني : يبدأُ الاعتكافَ من بعد صلاةِ فَجرِ اليومِ الواحِدِ والعشرينَ ، وهي روايةٌ عن أحمدَ ، واختيارُ ابنِ المنذرِ ، وابنِ القيِّمِ ، والصنعاني ، وابنِ باز .
ودليلُهم ما قالته عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها : ( كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أرادَ أن يَعتَكِفَ ، صلَّى الفَجرَ ، ثم دخل مُعتَكَفَهُ ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما
* وينتهي وقتُ الاعتكافِ في أيَّامِ العَشرِ الأواخِرِ ، من بعد غروبِ شَمسِ آخرِ يومٍ من رمضانَ ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ : الحنفيَّة ، والمالكيَّة ، والشَّافِعيَّة ، والحَنابِلة ؛ وذلك حتى يكونَ مُستوفيًا للعَشرِ بكَمالِه ، ولا يمكِنُ استيفاءُ ذلك إلَّا بالمُجاوزةِ ، كما لا يُمكِنُ استيفاءُ الصِّيامِ إلَّا بمجاوزةِ الإمساكِ إلى جزءٍ مِن اللَّيلِ .
* ولا حدَّ لأقَلِّ مُدَّةٍ للاعتكافِ ، وهو مذهب الحَنَفيَّة ، والشَّافِعيَّة ، وقولٌ للحَنابِلة ، واختاره ابنُ حَزمٍ ، والشوكاني ، وابن باز ، وحكى ابنُ عبدِ البَرِّ أنَّه قَولُ أكثَرِ الفُقَهاءِ .
فكُلَّ إقامةٍ في مسجدٍ من مساجدِ الله بِنيَّةِ التقرُّبِ إليه ، فهو اعتكافٌ ، سواءٌ قلَّتِ المدةُ أو كثَرُت ؛ لأنه لم يرد فيه تخصيص ، لا في الكتاب ، ولا في السنة .
* فضل ليلة القدر .
– أنه أُنزِلَ فيها القرآنُ .
قال الله تعالى : ( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) سورة القدر
– أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يُقَدِّرُ فيها كُلَّ ما هو كائنٌ على مدارِ ذلك العام .
قال الله تعالى : ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) سورة الدخان
– أنَّها ليلةٌ مُبارَكةٌ كثيرةُ الخيرات .
قال الله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ (٣) سورة الدخان
– أنَّ العبادةَ فيها أفضلُ من ألفِ شَهرٍ .
قال الله تعالى : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) سورة القدر
– كثرة نزول الملائكة فيها .
قال الله تعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سورة القدر
– أنها ليلةُ سلامٍ من الشرِّ كُلِّه ، من أوّلها إلى طلوعِ الفجر .
قال الله تعالى : ( سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) سورة القدر
* سبب تسمية ليلة القدر .
اختلفَ العلماءُ في سببِ تسميتِها بليلة القدر على أقوال :
القولُ الأولُ : لأنَّ اللهَ تعالى يُقدِّر فيها الأرزاقَ والآجالَ وما هو كائنٌ . أي : يقدِّر فيها ما يكونُ في تلك السنةِ ، فيكتبُ فيها ما سيجري في ذلك العام .
قال عبدالله بن عباسٍ رضي اللهُ عنهما : يُكتبُ في أمِّ الكتابِ في ليلة القدر ما هو كائنٌ في السنةِ من الخير والشر والأرزاق والآجال .. وقال الحسن ومجاهد وقتادة : يُبرم في ليلة القدر في شهر رمضانَ كُلُّ أجلٍ وعملٍ وخَلْق ورِزق ، وما يكون في تلك السنة .
القولُ الثاني : أنَّها مأخوذةٌ من عِظَمِ القدرِ والشرفِ والشأن ، كما تقول : فلانٌ له قدرٌ ، وفلانٌ ذو قدرٍ عظيم ، أي: ذو شرفٍ .
القولُ الثالث : سُميَت بذلك ؛ لأنَّ العملُ فيها له قدرٌ عظيمٌ ، وهذا لا يحصلُ إلا لهذه الليلة فقط .
القولُ الرابع : سُميَت بذلك ؛ لأن اللهَ تعالى قدَّرَ فيها إنزالُ القرآن ، قالَ اللهُ تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) سورة القدر
القولُ الخامس : لأنها ليلةُ الحكمِ والفصلِ .
فعن مجاهدٍ قال : ليلةُ القدرِ ليلة الحكم .
وقال النووي : وسُميَت ليلةُ القدر ، أي : ليلة الحكم والفصل .
* متى ليلة القدر ؟
ليلةُ القدرِ في العشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ ، وهي في الأوتارِ أقربُ مِنَ الأشفاعِ ، وهو مذهبُ الشَّافعيَّة والحنابِلة ، وقولٌ للمالكيَّة ، واختاره ابن تيميَّة والصنعانيُّ ، وابن باز ، وابن عثيمين .
* من أصحِّ الأحاديثِ التي وردت .
*️ ما وردَ أنها في العشرِ الأواخرِ .
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالتْ : كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يُجاوِر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ ، ويقول : ( تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما
وعن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ : أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال : ( أُريتُ ليلَةَ القدْرِ ، ثُمَّ أيقظَنِي بعضُ أهلِي فنُسِّيتُها ، فالْتَمِسوها في العَشرِ الغَوابِرِ ) صحيح مسلم
وعن عبدالله بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول لليلةِ القدر : ( إنَّ ناسًا منكم قدْ أُرُوا أنَّها في السَّبع الأُوَل ، وأُرِي ناسٌ منكم أنَّها في السَّبع الغَوابِر ، فالْتمِسوها في العَشْر الغَوابِرِ ) صحيح مسلم
وعن عبدالله بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ : ( تَحَيَّنوا ليلةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخرِ – أو قال : في التِّسعِ الأواخِرِ ) صحيح مسلم
*️ ما ورَد أنها في الوترِ من العشرِ الأواخِرِ .
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال : ( تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ ) صحيح البخاري
وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِيَ اللهُ عنهُ قال : خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فقال : ( إنِّي أُريتُ ليلةَ القَدْرِ ، وإنِّي نُسِّيتُها (أو أُنسيتُها) ؛ فالْتمِسوها في العَشرِ الأواخرِ من كلِّ وَتْرٍ ) . رواه البخاريُّ، ومسلم في صحيحهما
*️ ما ورَد في الْتِماسها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ .
عن ابنِ عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ( الْتمِسوها في العَشر الأواخِر من رمضانَ ؛ لَيلةَ القَدْر في تاسعةٍ تَبقَى ، في سابعةٍ تَبقَى ، في خامسةٍ تَبْقَى ) صحيح البخاري
وعن عُبادةَ بن الصَّامتِ رضيَ اللهُ عنهُ قال : خرَج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليُخبِرَنا بليلةِ القَدْر ، فتَلاحَى رجُلانِ من المسلمين ، فقال : ( خرجتُ لأُخبِرَكم بليلةِ القَدْر ، فتَلاحَى فلانٌ وفلانٌ ؛ فرُفِعتْ ! وعسى أنْ يكونَ خيرًا لكم ؛ فالْتمِسوها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ ) رواه البخاريُّ ومسلم في صحيحهما
*️ ما ورَد من أنَّها في ليلةِ الثَّالثِ والعشرين .
عن عبداللهِ بن أُنيسٍ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال : ( أُرِيتُ ليلةَ القَدْر ، ثمَّ أُنسيتُها ، وأَراني صُبحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ ) ، قال : فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرين ، فصلَّى بنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فانصرَف ، وإنَّ أثَرَ الماءِ والطِّين على جَبهتِه وأنفِه . قال : وكان عبدالله بن أُنيسٍ يقول : ثلاثًا وعِشرين . رواه مسلم
*️ ما ورَد في أنَّها ليلةُ السَّابعِ والعِشرين .
قال أُبيُّ بنُ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ في لَيلةِ القَدْرِ : ( واللهِ إنِّي لأَعلمُها ، وأكثرُ عِلمي هي اللَّيلةُ التي أَمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقِيامِها ، هي ليلةُ سَبعٍ وعِشرينَ ) رواه مسلم
وعن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ قال : تَذاكَرْنا ليلةَ القَدْرِ عند رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فقال : ( أيُّكم يَذكُرُ حين طلَع القمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ ) رواه مسلم
وشِقِّ جَفْنَةٍ أيْ : نِصف قَصعةٍ .
قال أبو الحُسَينِ الفارسيُّ : أيْ ليلة سَبْعٍ وعِشرين ؛ فإنَّ القَمَر يطلُع فيها بتلك الصِّفةِ .
*️ وما سبقَ من الأحاديثِ ، يدلُّ على عدمِ ثبوتِ ليلةِ القدرِ في ليلةٍ معيَّنةٍ من أيامِ العشر .
وعلى ذلك فإن ليلةَ القدرِ لا تختَصُّ بليلةٍ مُحددةٍ في جميعِ الأعوامِ ، بل تتنقَّل في ليالي العشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّة والحَنابِلة ، وقولٌ عند المالكيِّة ، وهو قَولُ أكثر أهل العلم .
* علاماتُ ليلةِ القدر .
مِن علاماتِ ليلةِ القدرِ أن :
– يكون القمرُ فيها كمثلِ شق جفنة ، وقد سبق فيها ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
– تكون ليلتُها متوسطة البرودة ، أي ليست بالحارة ولا الباردة .
– يكثر الملائكةُ في ليلتها ، أكثر من عدد الحصى .
– تطلع الشمسُ في صبيحتِها من غير شعاع .
قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم : ( ليلةُ القدرِ ليلةٌ سمِحَةٌ طَلِقَةٌ ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ ) رواه ابن عباس وصححه الألباني
وعن أبيِّ بن كعبٍ رضي اللهُ عنهُ قال : ( هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا بهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقِيَامِها ، هي لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ في صَبِيحَةِ يَومِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا ) صحيح مسلم
وقال اللهُ تعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) سورة القدر
وقالَ رسولُ اللهُ صلى اللهُ عليهِ وسلم : ( الْمَلائِكَةُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى ) رواه ابن خزيمة وحسنه ابن حجر والألباني
* سببُ إخفاءِ ليلةِ القدرِ .
مِن أسبابِ إخفاءِ ليلةِ القدرِ عَنِ العِباد ؛ ليَكثُرَ عملُهم في طَلَبِها في تلك الليالي الفاضلة ؛ وليزدادوا قُربًا مِنَ اللهِ وثوابًا ؛ وليُعرفَ الجادُّون في طلبِها الحريصون عليها .
* وليلةٌ القدرِ تعويضٌ لهذه الأمةِ ؛ مُقابِل قِصَرِ أعمارِهم .
–> إلى كلِّ مَنْ قصَّر فيما مضى مِنْ رمضانَ ، لقد أوشكَ شهرُ الخيرِ على الصرمان ، فانتهزْ فرصةَ العشرِ المتبقيةِ ، واعزم فيه وأكِّد النية ، ولا يُغرنك الشيطانُ ، فتصبح ندمان خسران .
* المراجع :
– موقع الدرر السنية للموسوعة الحديثية والفقهية .
– الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين .
– جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري .
– معالم التنزيل في تفسير القرآن للبغوي .
– المجموع شرح المهذب للنووي .
بقلم أ. مهدي جدُّه حكمي