المقالاتدينية

زكـاة الـفـطــر

عدد المشاهدات 3048

بالأمسِ كُنَّا ننتظرُ قدومَ شهرِ الخيراتِ والبركات ، شهرَ القرآنِ والغفران ، شتاءَ الأغنياءِ ، ربيعَ الفقراءِ ، واليومُ ها نحنُ نودعه ، فلا عزاءَ لنا إلَّا بزكاةِ فطرهِ وعيدِه ..

اللَّهُمَّ فتقبَّل صيامَنا ، وصلاتَنا ، وقيامَنا ، وصدقاتنا ، ودعاءنا ، وصالحَ أعمالنِا ، ولا تجعلنا مِنَ المحرومين الخاسرين ، يا أرحم الأرحمين ويا أكرم الأكرمين ..

* متى فُرضت زكاة الفطر ؟

فُرِضَتْ زكاةُ الفطرِ في الثَّامنِ والعشرين مِن رمضانَ ، وقيل في التَّاسعِ والعشرين منه ، وذلك في العامِ الثَّاني من الهجرةِ النبوية .

* حكم زكاة الفطر .

زكاةُ الفطرِ فرضٌ على كلِّ مسلمٍ عاقلٍ ، صغيرٍ أو كبيرٍ ، ذكرٍ أو أنثى ، حرٍّ أو عبدٍ ، صامَ رمضان كلَّهُ أو جزء منه ، أم لم يصمْهُ لمانعٍ أو لعذرٍ شرعيٍّ ، أو لعجزٍ أو لكبرٍ في السنِّ .

وهي واجبةٌ على الغنيِّ والفقيرِ الذي يستطيعُ أنْ يُخرِجَ عن نفسِه أو عن أهلِ بيته ، أو متى استطاع ذلك ، على أن يكونَ قبل خروجِ المسلمين إلى صلاة العيد ، أما إذا رزقَهُ اللهُ بعد صلاة العيدِ وأخرجها فهي له صدقة ، وقد قالَ بعضُ الفقهاءِ إنها تجزئه . والله أعلم

أما الفقيرُ الذي لا يستطيع بتاتًا فتسقط عنه لقوله تعالى : (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه .

* متى تُخرج زكاة الفطر ؟

تجب بغروبِ شَمسِ آخِرِ يومٍ مِن رمضانَ ، وهو مذهَبُ الشافعيَّة على الأصحِّ ، والحَنابِلَة ،وهو أحَدُ القَولينِ المشهورينِ لدى المالكيَّة ، وبه قال بعضُ السَّلَفِ ، واختاره ابنُ عُثيمين ، واللَّجنةُ الدَّائمة .

عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال : ( فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ ؛ طُهرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغو والرَّفَث ، وطُعمةً للمساكينِ ، مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاة مقبولةز، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ ) حديث حسن ، أخرجه أبو داود وابن ماجه

وأفضلُ وقت في أدائها هو قبل خروجِ المسلمين لصلاةِ العيد ، ويجوزُ إخراجها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين بإجماع علماء المسلمين .

* مقدار زكاة الفطر .

ومقدارُها عن الفردِ الواحدِ صاعٌ نبويٌّ من قوتِ أو طعام أهل البلد ، كالأرزِ والبُرِّ والذرة والشعير والتمر والدقيق والعدس والفول والحمص .
والصاعُ مقدارُه أربعُ حفناتٍ باليديْنِ المتوسطتَيْنِ الممتلئتَيْن .

قالَ ابنُ بازٍ رحمه الله : زكاةُ الفطرِ مقدارها بصاعنا الآن ثلاثة كيلو تقريبًا ، ثلاثة كيلو يَشِفُّ قليلًا ، ومعنى يشف أي ينقص .

وقد قدَّرها الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله من الأرز فكانت ألفي ومائة جرام (أي اثنان كيلو ومائة جرام) .

* وقد أجريتُ بنفسي تجربةً من قطمتَيْ أرزٍ مختلفتَيْن ، فأخذتُ حُفنةً ممتلئةً بكفيَّ المتوسطتَيْنِ ووضعتُها في الميزانِ ، فظهرتْ زِنَةُ الحُفنةِ الواحدةِ ما يُقاربُ النصف كيلو جرام ، وبهذا فإنَّ الأربعَ سيكون زنتها كيلويْن (أي اثنان كيلو جرام=صاع) .

وتختلفُ أوزانُ الأطعمةِ ، فمنها الثَّقيلُ ومنها الخفيف ، وسببُ الاختلافِ في المقاييسِ في زكاة الفطر ؛ أنَّ القياسَ فيها بالحجمِ وليس بالوزنِ ، وعلى ذلك فلا يُقاسُ على الأرزِ في بقية الأطعمة الجائزة .
حتَّى في المحصولِ نفسه قد يختلف الوزن ، فالجديدُ يكونُ أكثرُ وزنّا ؛ لأنَّ به كميةَ ماءٍ ، وإذا جفَّ خفَّ وزنه .

وإذا أُشْكِلَ على المسلمِ القياس بالوزن ، فليرجع إلى الصَّاعِ النبوي الذي مقداره أربع حفنات ممتلئة اليدين المتوسطتين ، (أي ليس باليدين الصغيرة أو الكبيرة) ، فإذا كانت يدك صغيرة فزد قليلًا ، وإن كانت يدك كبيرة فانقص قليلًا .

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : (فرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، صاعًا من تمرٍ ، أو صاعًا من شعيرٍ ، على العبدِ والحُرِّ ، والذكرِ والأنثى ، والصغيرِ والكبيرِ من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة) . رواه البخاري في صحيحه

* مستحقو زكاة الفطر .

تُعطى زكاةُ الفطرِ للفقراء والمساكين فقط ، ولا تجوزُ على باقي الأصنافِ كما في الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة .

* هل يجوز إخراجها مالًا ؟

ولا يجوزُ أن تُخرجَ من المالِ أو من غير الطِّعامِ عند جمهور أهل العلم ؛ لأن النبيَّ صلى عليه وسلم وضَّحَ في الأحاديث الصحيحة أنها صاعٌ من تمرِ أو من شعير ، وهي طُعمة للمساكينِ ؛ أي من الأطعمةِ وليست من غيرها .

ويجوزُ توزيع زكاة الفطر على أكثر من فقيرٍ أو مسكينٍ ، ويجوزُ أن تعطى لفقيرٍ أو لمسكين واحد ؛ لأنَّه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم تحديد فيها ، وما لم يحدد ففيه الخيار .

* حكم من لم يخرجها مع القدرة .

قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله :
فإذا تأخرت أو تكاسل صاحبها ، أو لم يؤدها عمدًا فإن هذا إثم ، وعلى صاحبها التوبة ، والتوبة تجبر النقص ، التوبة تجبر النقص ، وعليه مع التوبة الأداء ، أن يخرج الزكاة قضاء .

* الحكمة من زكاة الفطر .

زكاةُ الفطرِ طُهرةٌ وكفارةٌ لما قد يحدث من الصائم من نقصٍ أو تقصيرٍ أو تساهل ، عن جهلٍ أو نسيان أو خطأ ، كالنظر المحرم والكذب والغيبة والسبِّ والكلام البذيء أو الفاحش ، ولا يخلو صيامنا من هذا .

وزكاة الفطر مطهرة للنفس والمال ، ومواساة للمحتاجين وسد حوائجهم ، وليس فيها مشقة على أحد ، بل يؤديها المستطيعون بنفس راضية ، وهي تزرع الأخوة والألفة والأُنس بين الأغنياء والفقراء ، فيذهب الحقد والحسد ، ويعمُّ الأمن والأمان ، وهي تدلُّ على التكاتف الاجتماعي بين المسلمين ؛ لأن بها تظهر البهجة والفرح لجميع فئات المجتمع .

هذا والله أعلم ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .

* المرجع :
– موقع الدرر السنية للموسوعة الحديثية والفقهية .

بقلم أ. مهدي جدُّه حكمي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ماشاءالله تبارك الله ابا مالك مبدع دائما منشور ممتاز جزاك الله خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com