(وكان فضل الله عليك عظيماً )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من أصبح منكم : معافى في جسده،آمناً في سربه ،عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافِيرها ) صحيح البخاري.
بين نِعمٍ ماضية ونِعمٍ حاضرة وأمل قادم ،يصاحبه قول الحمدلله على ماكفل لنا في ملكه ،وأنه لم يترك لنا حاجة في غيره.
نعيش في وطن آمن ،تحت ظلّ قيادة حكيمة، وخيراتٌ تتوالى ،وعائلة دافئة حولنا ،ونعم تحُفَّنا، وصحة نرفل بها ،ونوماً هانئ ،ومأكل ومشرب من كل مالذ وطاب من جميل نعمه، وحياة كريمة نعيشها ، ويومنا العادي- إن صحت هذه التسمية –
فمن ذا استشعر كل يوم هذة النعم وتأمل في مجرى يومنا العادي، الذي يمر علينا جميعاً بشكلٍ عام ، كلنا أدرك تلك النعمة حين فُرِض حظر التجوَّل وسمع بإرتفاع عدد الوفيات والإصابات، وشاهد الشلل العام الذي أصاب كافة قطاعات الحياة في العالم والبلدان وضاقت علينا أنفسنا بما رحبت.
يومك العادي أمنية لدى سجين خلف القضبان ، ومريض يرقد فوق الأسرّة البيضاء ،وجائعاً يقطع الفيافي والأميال الطويلة بحثاً عن لقمة عيش عائلته التي تلتحف الصبر رداء أغنياء من التعفُّفّ لايسألون الناس إلحافاً ،ويتيماً مشرداً وخائفاً يسير في الطرقات الطويلة بحثاً عما يسد رمقه وعن لباس يقيه يلتحف السماء ويفترش الأرض وغير ذلك الكثير، فرب يومك العادي هو أمنية أحداً غيرك..
من تأمَّل منَّا مضخَّة القلب وهي تعمل دون حولٌ منا ولاقوة ، وساعات دوامه هي عمرك كله ،لست أنت مِّمَّن ينظم دقاته ولامن يزوَّده بالطاقة ،أو يُصدِر الأمر له بالعمل أو التوقُّف .
من يتأمل بعين قلبه وبصيرته في بديع خلق الله وبدقَّة متناهية ،وتناسقٌ بديع ،وعمل يصعب شرحه، وينظر إلى جهاز ‘ الغسيل الكلوي ‘ الذي يقوم بشيء من عمل الكلية -فلله الحمد- لأنها عملية معقَّدة ومترابطة بأجهزة أخرى وبالدورة الدموية والقلب وامتصاص الماء والأملاح من الجهاز الهضمي والعديد من هرمونات الجسم (وقليلٌ من عباديَّ الشكور) قال تعالى: (ألم نجعل له عينين• ولساناً وشفتين• وهديناه النَّجدين )
خلق الله كل واحد منّا لما يُسّر له ،كلٌ منّا مميزٌ بما لديه من قدرات هائلة وأفكار جبّارة، فما أوجدك الله على هذه الأرض عبثاً، بل لتُوجِد قيمتك، وتنمّي مواطن الشغف والموهبة والإبداع لديك ،وتبذل الأسباب لتجعل لك أثراً إيجايباً في ذاتك ،وفاعلاً في مجتمعك ،وطموحاً في تنمية وطنك ،ومتطوعاً لعمل الخير دوماً ، “فإن لم تزد شيئاً على الدنيا كنت أنت زائداً على الدنيا “
(ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ) نرحل عن الدنيا لندرك في اللحظات الأخيرة أن أجمل ماكان منا ،هو دمعة مسحناها ،وبسمة زرعناها، ويداً بالعون مددناها ،ومعروفاً خفيٌ بذلناه ،وخيراً قدَّمته، ونصيحة صادقة أسديتها ،وكلمة طيبة نطقت بها، وقلوباً متألمة جبرتها .
من يستشعر لحظة إلتفاف عائلته في هذا الشهر المبارك ، وضحكة أبويه الدافئة ،وقرب إخوته وأهله الجميلة، ويتأمل من فقد هذه الهبة العظيمة التي قلّ ما نستشعرها إلا بعد أن يتخطّفهم الموت فيتراءى لنا صوتهم الغائب وطيفهم الراحل بمخالب الذكرى بعد أن توسدوا الثرى ومكانهم الخالي وضحكاتهم المتشبثة في ذاكرتنا.
وقبل هذا وذاك من استشعر نعمة الإسلام بأن جعلنا أمّة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أمّةٌ واحدة كلِمتُها واحدة وفي وطنٍ دستوره القرءان والسنة ،ورايته الإسلام .
فتتأمل بقلب شاكر قوله تعالى: (ماودّعك ربُّك وما قلى)
آية نرددها وتتناهى إلى مسامعنا منذُ الصِغرَ، من منّا استشعر معناها ،وتدبّر كلماتها حقيقة ،فيدرك أن الله خلقنا لنقِف على شُرفةَ الحياة فنخوضها مطمئنين ،وعليه متوكلين ،وبه واثقون ،ولأفضاله من الحامدين ،ولما آتنا من الشاكرين.
(فخُذ ما آتيّتُك وكُن من الشاكرين )
بقلم
الأستاذة / صالحة القحطاني..