بقلم : محمد الرياني
يَبقُرون بطنَها من بدايته إلى نهايته، يبدو بطنُها بلا أوردة أو شرايين، لاينزفُ فتنهمر الدماء، ولا تتألمُ من هذا الأخدودِ الذي يتكرر مرارًا على بطنها، ما أقسى أن ترى من يوجعك وأنت صامت!! اكتملَ المشهد، شقوقٌ متساويةٌ ومتوازيةٌ على بطنٍ مستوٍ لا ارتفاعَ فيه ولا انخفاض.
سألَ الصغيرُ أباه الذي يتصببُ جبينُه عرقًا!! لمَ يا أبي تقسون على التراب وهو ساكتٌ لايتوجعُ بينما الشمسُ تلفحُ كلَّ شيءٍ بما فيه جبهتك قبلَ الأرض؟ صمتَ الأبُ ولم يجبْ ووقفَ يتأملُ السطورَ المصفوفةَ بروعةٍ وجمال.
قال الابنُ لأبيه مندهشًا : ما أجملَ الأرض! كنتُ مشفقًا عليها من محراثكَ الذي لايرحمُ الطينَ ولا النتوءات ، بطنُ الأرضِ عجيبٌ يا أبي… أليس كذلك؟! بقيَ الأبُ في تأملِّه تجذبُه سُمرَةُ الأرض.
قال لابنه : غدًا سترى شيئًا أخضرَ يخترقُ الشقوقَ إلى أعلى، ثم ينمو وينمو نحوَ السماءِ والشمسِ وحتى القمر، فرحَ الصغيرُ وهو يتصورُ الشيءَ الأخضرَ الجميلَ الذي سيجعلُ بطنَ الأرضِ يلتئمُ بلونٍ جميل، خرجَ الزرعُ بلونٍ بديع، بدأ صغيرًا مثلَ طفلٍ وليدٍ سرعان مااشتدَّ عودُه وقويَ وجذبَ إليه العصافيرَ المنتشيةَ والعيونَ التي تترقبُ سنابلَ لايعرفها الصغار، عاد الأبُ مع أبيه بعد أن استوى الزرعُ على سوقه،
قال لصغيره : هل لاتزالُ مشفقًا على الأرضِ مِن الذين يشقُّون بطونَها، نظرَ الصغيرُ إلى السنابلِ تتدلى على رؤوسِ الزرعِ كالعرائسِ الحسان ، وضعَ يدَه على بطنه.
قال له أبوه : هذه الأرضُ التي نبْقرُ بطونها؛ نشقُّها لنرتقَ بطونًا جوعى، ابتسمَ الصغير، ربَتَ على بطنه، دنا من الأرض يقبِّلُها ويستروحُ شذاها، أمسكَ الأبُ بمنجلِه واتجهَ نحوَ الزرعِ يحصدُه ، حضرتِ العصافيرُ بكلِّ ألوانها نشوى لتحييَ موسمَ الحصاد.