بقلم :هاني محمد الجفري
بعيداً عن الشجب والتنديد والإدانة، والخطابات العاطفية الرنانة الطويلة، جاءت القمة العربية “قمة جدة” التي قادها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لترسم صورة جديدة للعرب الذي يفكرون بصوت العقل، يتناقشون في هدوء لوقف الصراعات الدامية والأزمات الحادة، ويطرحون في الوقت نفسها مبادرات طموحة للتنمية المستدامة.
رسخت القمة الزعامة والريادة السعودية بفضل مكانة المملكة ودورها السياسي والاقتصادي والإنساني في المحيط العربي والعالمي، والشخصية القيادية المهمة لولي العهد الذي أبهر العالم بأطروحاته الشجاعة ورؤيتها الثاقبة، قبل أن يصبح الشخصية العربية الأكثر تأثيراً، وجاءت نبرة “اعلان جدة” الذي اعتمدته القمة في ختام جلساتها هادئة ومتزنة لا تعتمد على العواطف، بل تخاطب العقل وتذهب مباشرة للتحديات الصعبة التي تواجهها الأمة العربية دون لف ودوران ومواربة، بل وتهتم بالبناء والتشييد والتطوير، وتتطلع لمستقبل أفضل لمنطقة تحمل مقومات كبيرة.
ظهرت بصمة السعودية ورؤيتها بشكل واضح على “اعلان جدة” في توفير الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي في المنطقة، وخصوصا فيما يتعلق بالتنمية المستدامة بأبعادها الثقافية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، وتعهدت المملكة خلال فترة رئاستها للقمة العربية على مدار عام كامل أن تدفع بمجموعة من المبادرات من شأنها أن تسهم بدفع العمل المشترك في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ابتعدت المملكة عن المناطق الشائكة وذهبت مباشرة للمستقبل من خلال 5 مبادرات تنموية طرحتها، أولها مبادرة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، والتي تستهدف أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين العرب، بما يسهم في تعزيز التواصل الحضاري بين العرب والعالم ويبرز الحضارة والثقافة العريقة، ومبادرة الثقافة والمستقبل الأخضر الهادفة إلى رفع مستوى التزام القطاع الثقافي في الدول العربية تجاه أهداف التنمية المستدامة، ودعم الممارسات الثقافية الصديقة للبيئة وتوظيفها في دعم الاقتصاد الابداعي العربي.
وطرحت المملكة مبادرة استدامة سلاسل إمداد السلع الغذائية الأساسية للدول العربية، والتي تعتمد بشكل أساسي على مجموعة من الأنشطة وتوفير فرص استثمارية ذات جدوى اقتصادية ومالية تسهم في تحقيق الأمن الغذائي، وكذلك مبادرة البحث والتميز في صناعة تحلية المياه وحلولها، بغرض تحفيز البحث العلمي والتطبيقي والابتكار في صناعة إنتاج المياه المحلاة وحلول المياه، وأخيراً مبادرة إنشاء حاوية فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية، والتي من شأنها احتضان التوجهات والأفكار الجديدة في مجال التنمية المستدامة.
إنها اللغة الجديدة التي تقود بها السعودية المنطقة، والتي ينبغي أن تكون نهجنا العربي نحو المستقبل، لغة تعتمد على الرؤىة والفكر والعقل، تبتعد عن دغدغة العواطف واستخدام الكلمات الرنانة التي عمقت خلافات الأقطار العربية، ولم تنجح في علاج مشاكلنا.