أخبار محلية

و رحل جابر

عدد المشاهدات 2168

بقلم: عامر الشهري

.
كنت عائدا من رحلة عمره بدأناها بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة ثم بيت الله الحرام بمكة المكرمة وختمناها بمسجد الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكعادتي التي بدأت احرص عليها في الآونة الأخيرة وهي عدم العبث بالجوال أثناء قيادة السيارة، وعند توقفي في إحدى محطات التزود بالوقود للطريق الرابط بين المدينة المنورة والرياض فوجئت باتصالات ورسائل غريبة بعضها تتساءل عمن سمع خبر غير جيد، وإذا بالرد برسائل صوتيه يثبت صحة هذا الخبر بكل أسف.
ثم بدأت تتضح الصورة شيئا فشيئا، هناك خير حزين عن رحيل شخص ما، لكن من هذا الشخص؟
سبحان الله خبر الموت محزن لمجرد سماع الخبر حتى وإن كان المتوفى ليس من ذوي القرابة أو الصلة أو المعرفة على الأقل البعيدة.
أجريت اتصالاً لأستوضح الأمر، فكانت الصدمة: نعم الخبر صحيح، هناك متوفى، من؟ إنه جابر .. هنا وجدت نفسي لا إرادياً أردد “لا إله إلا الله، لا إله إلا الله”، اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأن محمداً عبده ورسوله.
تأكد الخبر المحزن المفجع .. ورحل جابر، ويبدو أن القدر لم يمهله طويلاً لقضاء فترة أطول مع والديه وأسرته ومحبيه، خصوصاً أنه حرص ـ رحمه الله ـ على استغلال إجازة الدراسة للاجتماع العائلي إضافة إلى إنجاز بعض المهام.
في ليلة الفاجعة جلس جابر مع والده فوق منزله الذي يقوم بتشييده، وكأنها جلسة وداع لم يكن في الحسبان أن تكون كذلك، بل كأن المكان والزمان سيكونان شاهدان على آخر الكلمات واللحظات التي تجمع الأب وابنه قبل أن يهوي من مكانه وأمام ناظري والديه ويفارقهم للأبد.
لا حول الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، كيف تحول الجو الأسري العائلي من لحظة اجتماع وسعادة وهدوء وصفاء، إلى لحظات صدمة وهلع وبكاء، تلك مشيئة الله وحكمته الإلهيه التي يجب علينا الرضا والتسليم بأمر الله سبحانه وتعالى وابتلائه قال سبحانه (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) “35 الأنبياء”، فلا سعادة مطلقة ولا حزنٌ أبدي قال المولى سبحانه (وتلك الأيام نداولها بين الناس) “140 آل عمران”، مع إيماننا ويقيننا التام أن الموت نهاية كل حي مهما بلغ عمره وطال أجله قال الحق سبحانه وتعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ). “العنكبوت: 57”
قال الشاعر:
إن الأمور لها ربٌ يدبرها وكل شيءٍ بأمر اللهِ مُؤتمرُ
فلن يفيدك أن تحتاط من قدرٍ ولن يرد القضا حرصٌ ولا حذرُ
والجأ لربك في الضراءِ معتصماً ما رد ربُك من للعون يفتقرُ
رحل جابر الإنسان الهادئ الودود الخلوق المؤدب.. رحل جابر بابتسامته وطيبة قلبه وعفويته وتواضعه وعلاقاته المميزة مع كل من عرفه، وبقدر الألم والحزن الذي يعتصر قلوبنا وقلوب والديه وإخوانه وذويه ومحبيه، إلا أننا لا نملك سوى التسليم والرضا بقضاء الله وقدره.
عزاؤنا لوالديه وإخوانه وأسرتهم، ولنا جميعا في فقد الأخ والصديق جابر، رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح جناته وربط على قلوب ذويه ومحبيه، والحمد لله على كل حال، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

رثاء
وما الناس إلا كالديار وأهلها بها يومَ حلوها وغدواً بلاقِع
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رماداً بعد إذ هو ساطعٌ
وما البرٌ إلا مضمرات من التقى وما المال إلا مُعمراتٌ ودائعُ
وما المالُ والأهلون إلا وديعةٌ ولا بد يوماً أن ترد الودائعُ

خاتمة
ياقبر ماوصيك باللي بكيناه ضمه برحمه مثل ضمة يمينه
يارب اجعل جنة الخلد مثواه وانزل على روحه أمان وسكينة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com