بقلم.. خولة العبيد
يعتقد البعض أن التسامح لا يكون الا من ضعف وهذا مفهوم خاطئ وغير صحيح بل على العكس هو من علامات القوة، بل إنه هو تلك القوة التي تضبط تعامل الناس لتعطيهم حقهم في حسن التعامل الذي ينبع من قوة، فلا يمكن أن يكون حسن التعامل نابعاً من خوف, خصوصا عندما تكون ثقافة التسامح منتشرة بين المجتمعات المخلوطة، ومن المعروف ان الدول القوية تجد بينهم تسامحاً واندماجاً واحتراماً للثقافات وللتنوع الحضاري بعكس المجتمعات الضعيفة والتي لا مكان للتسامح بينها وبالتالي هي بيئة خصبة للتخلف والرجعية ليصبح عدم وجود التسامح دليل ضعف للمجتمعات.
وعدم وجود ثقافة التسامح يجعل الدول في طور متأزم يضعها في طور محدود النمو ولا وجود للتطور واذا وجد فهو ضعيف، لأن جل جهود تلك الدول يصب دائما في الانتقام الداخلي او الانتقام الخارجي من دولة مجاورة معادية لها وبالتالي تنقل ثقافة العداوة بين الشعوب والأعراق.
وما يقع على النظام السياسي ونظام الدولة بشكل كامل يقع على مستوى الفرد حيث أن غير المتسامح لا يرتاح إلا بتحقيق الإنتقام حتى تنطفئ النار الداخلية لكن الحقيقة أن هذا يولد لدى المنتقم طاقة الغل والحسد وبالتالي يكون مردودها سلبا على غير المتسامح، لذا غير المتسامحين تجدهم في دوامة من العراك وفي مجهود بدني وعقلي في حدود الصراعات.
على ذلك ما أحوجنا للتسامح في كل شؤون حياتنا حتى يتعايش الجميع ويتجنبوا المجهودات والطاقات المهدرة في الخلافات.
وقد حثت كل الشرائع على التسامح ودعت إليه ومنها الإسلام هذا الدين العظيم التي حث عليه وارشد الناس الى كل طرق التسامح في كل شؤون حياتهم ومنها أن جعل الله العفو والصفح من صفات اصحاب التقوى، وحث عباده على أن يحدوا من غضبهم ويعفوا عمن أساء لهم لكسب رضا الله سبحانه وتعالى وجاء ذلك في الآية الكريمة (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
إن التسامح يساهم في صناعة حوار حضاري مع الآخر ويسهم في تجاوز أي معوقات للتعايش يعود خيره على الجميع ليعيشوا في أمن وأمان وسلام. إن التسامح يعني الاعتراف بالآخر بكل ما يملكه من مقومات مهما كانت، ليساهم في التنوير ورفع الوعي والإدراك، والجميع يعلم أنه من الطبيعي أن كل شخص عنده جزء من الالم داخله لكن لو عرف قيمة التسامح حتماً سيكون سباقا للتسامح مع النفس ومع الناس.
و التسامح قد يكون تنظيما بيد النظام والسلطة لكنه لن يكون حقيقياً كما لو كان منتشرا في وعي الناس وادراكهم بحجم ما يحمله المجتمع المتسامح من عطاء وإنتاج ورخاء، لأن افكار الناس عامة هي طاقة تكون إيجابية متى ما عرفنا كيفية الإستفادة منها, كما أن الاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق والحريات الأساسية للآخرين هو اساس التسامح التي تبدو في حسن الأخلاق وحسن التعامل ولطفها، هي من الأمور التي تحتاج إليها الحياة اليومية ،ولن يلزمها النظام والسلطة من خلال القانون والقضاء .
إن نشر ثقافة التسامح بين الدول هو من تعزيز التضامن الإنساني من أجل نشر التوعية بأهمية السلام في دعم حياة الشعوب ومواجهة أي تحديات تواجه الإنسانية وما اكثرها في عصرنا هذا ، لذا تأتي مناسبة اليوم العالمي للتسامح في 16 نوفمبر من كل عام حتى تنتشر ثقافة التسامح والتي هي من الإنسانية في أوج وأعظم درجاتها، فتسامح الشعوب والأعراق ينهض بالإنسانية ويساهم في ازدهار الأرض بالعطاء والإنتاج والوعي الجماعي.